تقوم مدينة نابلس في منطقة غنية بينابيع المياه العذبة وسط فلسطين على واد مستطيل الشكل يمتد من الشرق إلى الغرب يقع بين جبلي عيبال (الشمالي) وجرزيم (الجنوبي). وتطل فتحة وادي نابلس الشرقية على الغور المسمى باسمها وهو الغور النابلسي الممتد حتى نهر الأردن، في حين تمتد فتحة واديها الغربية حتى وادي التفاح الممتد إلى وادي الزيمر عند طولكرم، وتمتد جبالها الشمالية شمالا لتنتهي جنوب مرج بن عامر قرب جنين، بينما تمتد جبالها الجنوبية جنوبا لتتصل بجبال القدس اتصالا مباشرا حيث لا توجد حدود طبيعية تفصلها عن بعضها بعضا.
وتشير المصادر التاريخية إلى أن نابلس قد أسست لأول مره فوق تل كبير يدعى تل بلاطه، ويقع عند المدخل الشرقي المفتوح لمدينة نابلس الحالية جوار شمال قرية بلاطة العربية. ويستفاد من الحفريات الأثرية التي أجريت في تل بلاطه منذ 1911-1914م، و1924-1927م، و 1956-1967م، من قبل البعثات الأثرية الأجنبية بأن نابلس قد أسست في أواسط الألف الثالث قبل الميلاد، وأن الذي قام بتأسيسها وبنائها هم القبائل الحوية الكنعانية الذين أطلقوا عليها اسم “شكيم” ويعني المكان المرتفع أو النجد.
وفي سنة 1550 ق.م تعرضت مدينة شكيم لتدمير وحشي على يد الفراعنة المصريين، الذين قاموا بإخراج الهكسوس ( الملوك الرعاة ) من مصر ومطاردتهم في فلسطين، غير أن أهالي شكيم قاموا بإعادة بنائها في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، حيث اشتهر من بين حكامها في ذلك الوقت الحاكم الكنعاني لابائيو. ويبدو أن هذا الحاكم وأولاده من بعده كانوا آخر الحكام الكنعانيين الأقوياء للمدينة، حيث بدأت شكيم، ومنذ القرن الثالث عشر قبل الميلاد، تفقد حضارتها الكنعانية الأصلية لتصبح على مر الحقب التاريخية التالية عرضة لغزو شعوب وقبائل غريبة عنها، إذ غزتها القبائل العبرانية ثم الأشوريون والبابليون ثم الفرس ثم اليونانيون إلى أن سقطت بيد الرومان سنة 63 ق.م. وبالرغم من ذلك، فقد قام أهالي مدينة شكيم بعد احتلال الرومان للمدينة، بالثورة والتمرد على الرومان الذين تمكنوا من قمعهم. كما أن المدينة، وخلال ذلك، تشرفت برؤية طلعة السيد المسيح أثناء رحلته من القدس إلى الجليل، حيث كان متعبا فجلس عند بئر يعقوب وكانت امرأة سامرية تستقي، فطلب منها شربة ماء، فقالت له: كيف تطلب مني ماء لتشرب، وأنت يهودي، وأنا سامرية ؟ لأن اليهود لا يعاملون السامريين.
وفي الفترة بين عام 67-69 م، أمر الإمبراطور فسبيسيان بهدم مدينة شكيم وبناء مدينة جديدة إلى الغرب منها قليلا حيث نابلس القديمة حاليا، وقد أطلق عليها الرومان اسم نيابولس، وهو لفظة لاتينية رومانية تعني المدينة الجديدة، ثم حرف ذلك اللفظ فيما بعد إلى نابلس الحالية.
وكان لطبيعة الموقع الجغرافي الجبلي للمدينة أن فرض نفسه على الرومان، حيث جاءت المدينة طولية الشكل، تمتد من الشرق إلى الغرب على وادٍ محصور بين جبلي عيبال وجرزيم، ويقطعها شارع رئيس من شرقها إلى غربها وهو الديكامانوس، وتتكون من أربع حارات في ذلك الوقت، وقد قام الرومان ببناء ثلاثة أماكن للهو وهي: المسرح والمدرج وميدان سباق الخيل، كما أقاموا معبدهم الخاص بالإله جوبيتر فوق قمة جبل جرزيم.
وعندما أصبحت المسيحية الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية، في القرن الرابع الميلادي من عهد الإمبراطور قسطنطين الكبير، بدأت تختفي منها معالم الطابع الوثني الخاص بها، ليحل محله أبنية الكنائس والطابع المعماري والثقافي المصاحب لهذا الدين الجديد، إذ تم بناء كنيسة بئر يعقوب وكذلك كنيسة مريم العذراء فوق جبل جرزيم مكان معبد السامريين.
وقد تعرضت مدينة نابلس، كباقي المدن الفلسطينية، عام 615 م للاجتياح الفارسي، إلا أن الرومان استطاعوا، بقيادة هرقل، هزيمة الفرس عام 628 م، ليجدوا أنفسهم بعد ذلك في مواجهة الجيوش العربية الإسلامية التي بدأت فتوحاتها لبلاد الشام. وفي عام 636 م، وبعدما تمكن العرب المسلمون من هزيمة الرومان في معركتي اليرموك وأجنادين، تم فتح مدينة نابلس على يد القائد عمرو بن العاص، حيث كان سكانها خليطا من السامريين والنصارى والعرب.
وخلال القرنين الأولين من فتح المدينة على أيدي العرب المسلمين، بدأت نابلس تشهد مجموعة من التحولات الدينية والمعمارية والاجتماعية، حيث أصبحت لغة أبنائها في حياتهم وعلومهم اللغة العربية، وهي لغة القرآن الكريم. وأصبح سكانها خليطا من السامريين والنصارى وغالبية من العرب المسلمين. وكانت مرجعيتها في مختلف شؤونها، المدينة المنورة، عاصمة الخلافة الراشدة من خلال والي فلسطين أولا، ثم وإلى الشام ثانيا، ثم أصبحت تعود في أمورها إلى دمشق عاصمة الخلافة الأموية، عندما انتقلت الخلافة إليهم ثم إلى بغداد عاصمة الخلافة العباسية فيما بعد.
خضعت نابلس عام 968 م لحكم الفاطميين الذين أسسوا في مصر عاصمة سياسية لهم، غير أن الفاطميين وبعد ظهور الأتراك السلاجقة السنيين والمناوئين للفاطميين الشيعة، دخلوا في صراع عنيف فيما بينهم استمر إلى أن وصلت أولى الحملات الصليبية لبلاد الشام، حيث استطاع الصليبيون احتلال فلسطين، مما أدى إلى سقوط نابلس في أيديهم سنة 1099 م، وقد بقيت في أيديهم حتى ظهور الأيوبيين الذين تمكنوا من استعادة فلسطين وبيت المقدس بقيادة صلاح الدين الأيوبي بعد معركة حطين عام 1187 م.
تعرضت مدينة نابلس، خلال الحكم الأيوبي لها عام 1197، لزلزال مدمر أودى بحياة أكثر من ثلاثين ألف شخص، وقد خلَف ذلك الزلزال دماراً كبيراًَ في معظم أبنية المدينة، مما استدعى إجراء عملية إعادة بناء كبيرة للمدينة بدأت في عهد الأيوبيين واستمرت في العهد المملوكي الذي شهدت فيه نابلس عهدا من الازدهار المعماري والعلمي والثقافي في شتى الميادين.
غير أنه وعلى أثر ظهور الأتراك العثمانيين في آسيا الصغرى وتطور العلاقات بينهم وبين المماليك إلى حد المواجهة العسكرية، تمكن فيها العثمانيون عام 1516 م من هزيمة المماليك في معركة مرج دابق. وخلال حكمهم لمصر وبلاد الشام، أصبحت نابلس إحدى مدن ولاية الشام التابعة للعثمانيين الذين اعتمدوا في حكمهم للمدينة، في بداية الأمر، على بقايا المماليك التابعين لهم، ثم تحولوا مع بداية القرن السابع عشر للاعتماد على أبناء أسرها الغنية المتنفذة التي ظهرت منها أسرة النمر ثم طوقان ثم عبد الهادي، بيد أن الدولة العثمانية قررت، مع نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، إدارة البلاد بشكل مباشر، حيث أصبح يحكم مدينة نابلس عدد من الحكام الأتراك العثمانيين، وشهدت نابلس في تلك الفترة كثيرا من الإنشاءات والترميمات لمبانيها التاريخية، ومن ذلك تأسيس بلدية نابلس سنة 1869 م.
سقطت مدينة نابلس وعلى أثر هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى، بيد الاحتلال البريطاني في 21/9/1918 م.وقد ذاقت المدينة من هذا الاحتلال الامرين بل إنها واجهت في عام 1927 م أكبر كارثة طبيعية، وهو الزلزال الهائل الذي دمر جزءا كبيرا من مبانيها، والذي ما زلنا نشاهد آثاره حتى الان في أبنية البلدة القديمة. وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية، عانت نابلس كغيرها من مدن فلسطين من ويلات هذه الحرب وخاصة من الفقر وشح الموارد، وبعدما انتصر البريطانيون على الألمان، في هذه الحرب سنة 1947 م، وانتهى حكمهم لفلسطين عندها احتلت من قبل الصهاينة في نفس العام، حيث نتجت عن ذلك حروب، ومصادمات غير متكافئة بين العرب واليهود ادت الى تهجير معظم سكان مدن فلسطين الساحلية وقراها وإقامة دولة إسرائيل.
وفي عام 1950 م تم ضم ما تبقى من فلسطين، وهي الضفة الغربية، إلى الأردن فأصبحت نابلس بذلك جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية، حتى عام 1967 ، حين تم احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة من قبل الجيش الاسرائيلي ،فرزحت المدينة كباقي المدن الفلسطينية تحت نير الاحتلال الاسرائيلي إلى يومنا هذا.
وفي سنة 1987م قامت نابلس بالمشاركة الفعالة كغيرها من مدن فلسطين بالانتفاضة الأولى على الاحتلال الإسرائيلي، وهي الانتفاضة التي نتج عنها سنة 1993 اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل ، وذلك تمهيدا لإقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 م، فأصبحت نابلس بذلك إحدى مدن السلطة الوطنية الفلسطينية، غير أن تنكر إسرائيل فيما بعد لاتفاق أوسلو، ادى الى الانتفاضة الثانية التي نتج عنها اجتياح إسرائيل لمدن السلطة الوطنية الفلسطينية وتدمير الكثير منها.